فصل: تفسير الآيات (18- 19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآية رقم (12):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ} [12].
{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ} أي: يخافونه أو يخافون عذابه، وهم لم يروه {لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}

.تفسير الآية رقم (13):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [13].
{وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أي: بضمائرها، فكيف بما نطق به؟ والمعنى: فاتقوه واخشوه.

.تفسير الآية رقم (14):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [14].
{أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ} أي: ألا يعلم السر والجهر من خلق الأشياء، والخلق يستلزم العلم كما قال: {وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} أي: اللطيف بعباده، الخبير بأعمالهم. وقيل: معنى الآية: ألا يعلم الله من خلقه، وهو بهذه المثابة، فـ: {مَنْ} مفعول، والعائد مقدر.
قال الغزاليّ: إنما يستحق اسم اللطيف من يعلم دقائق الأمور وغوامضها وما لطفَ منها، ثم يسلك في إيصال ما يصلحها سبيل الرفق دون العنف. و{الْخَبِيرُ} هو الذي لا يعزب عن علمه الأمور الباطنة، فلا تتحرك في الملك والملكوت ذرة، ولا تسكن أو تضطرب نفس، إلا وعنده خبرها. وهو بمعنى العليم.

.تفسير الآية رقم (15):

القول في تأويل قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [15].
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً} أي: ليِّنة سهلة المسالك.
{فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا} أي: في نواحيها وجوانبها على التشبيه.
قال ابن جرير: لأن نواحيها نظير مناكب الْإِنْسَاْن التي هي من أطرافه.
{وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} أي: التمسوا من نعمه تعالى.
قال الشهاب: فالأكل والرزق، أريد به طلب النعم مطلقاً، وتحصيلها أكلاً وغيره، فهو اقتصار على الأهم الأعم، على طريق المجاز أو الحقيقة.
قال: وأنت إذا تأملت نعيم الدنيا وما فيها، لم تجد شيئاً منها على المرء غير ما أكله، وما سواه متمم له، أو دافع للضرر عنه.
{وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} أي: نشوركم من قبوركم للجزاء.
تنبيه:
قال في الإكليل: في قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ} الأمر بالتسبب والكسب.
وقال ابن كثير: في الآية تذكير بنعمته تعالى على خلقه في تسخيره لهم الأرض، وتذليله إياها لهم، بأن جعلها ساكنة لا تميد ولا تضطرب بما جعل فيها من الجبال، وأنبع فيها من العيون، وسلك فيها من السبل، وهيَّأ فيها من المنافع، ومواضع الزرع والثمار. والمعنى: سافِروا حيث شئتم من أقطارها، وترددوا في أقاليمها وأرجائها في أنواع المكاسب والتجارات.

.تفسير الآيات (16- 17):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} [16- 17].
{أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ} خطاب للكافرين، أي: أأمنتم العليّ الأعلى أن يخسف بكم الأرض فيغيبكم إلى أسفل سافلين.
{فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} أي: تضطرب وتهتز هزّاً شديداً بكم، وترتفع فوقكم، وتنقلب عليكم.
{أَمْ أَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً} وهو التراب، فيه الحصباء الصغار، {فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} قال ابن جرير: أي: عاقبة نذيري لكم، إذا كذبتم به، ورددتموه على رسولي.
وقد بينّ تعالى نذيره لهم في غير ما آية، وهو زهوق باطِلهم إذا أصروا، ونصر رسوله، وغلبة جنده، كما قال تعالى: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88].
قال الشهاب: النذير مصدر، والياء محذوفة، والقرّاء مختلفون فيها: فمنهم من حذفها وصلاً، وأثبتها وقفاً، ومنهم من حذفها في الحالين اكتفاء بالكسرة، وكذلك الحال في {نَكِيرِ}

.تفسير الآيات (18- 19):

القول في تأويل قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [18- 19].
{وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} أي: مع كونهم أشد منهم عَدَداَ وعُدَداَ {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي: نكيري تكذيبهم، وذلك بإنزال العذاب بهم ودحرِ باطلهم.
قال القاضي: هو تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم، وتهديد لقومه المشركين.
{أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ} أي: باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها، {وَيَقْبِضْنَ} أي: ويضممنها إذا ضربن بها جيوبهن، وقت للاستظهار، ولتجدده عبّر عنه بالفعل إشارة إلى أنه أمر طارئ على الصف، يفعل في بعض الأحيان للتقوي بالتحريك، كما يفعله السابح في الماء يقيمم بدنه أحياناً بخلاف البسط والصف، فإنه الأصل الثابت في حالة الطيران، ولذا اختير له الاسم.
{وما يمسكهن} أي: في الجو {إِلَّا الرَّحْمَنُ} أي: المقيض لكلّ ما قُدّر له، حسب استعداده بسعة رحمته، ومنه ما دبر للطيور من بنية يتأتى منها الجري في الجوّ.
{إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} قال القاشانيّ: أي: فيعطيه ما يليق به، ويسوِّيه بحسب مشيئته، ويودع فيه ما يريده بمقتضى حكمته، ثم يهديه إليه بتوفيقه.
ثم بكّت تعالى المشركين بنفي أن يكون لهم ناصر غيره سبحانه، بقوله:

.تفسير الآية رقم (20):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} [20].
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ} أي: معشر المشركين {يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَنِ} أي: إن أراد بكم سوءاً، فيدفع عنكم بأسه.
{إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ} أي: من ظنهم أن أربابهم تنفع أو تضرّ، أو أنها تقرّبهم إلى الله زلفى.

.تفسير الآية رقم (21):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ} [21].
{أَمَّنْ هَذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ} يعني المطر ونحوها {بَل لَّجُّوا} أي: تمادوا {فِي عُتُوٍّ} أي: عناد وطغيان {وَنُفُورٍ} أي: شراد عن الحق واستكبار مع وضوح براهينه، فأصروا على اعتقاد أنهم يُحفظون من النوائب ويرزقون ببركة آلهتهم، وأنهم الجند الناصر الرازق، مكابرة وعناداً.

.تفسير الآية رقم (22):

القول في تأويل قوله تعالى: {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [22].
. {أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} تمثيل للضالين والمهتدين. والمكب: هو المتعثر الذي يخرّ على وجهه لوعورة طريقه، واختلاف سطحه ارتفاعاً وانخفاضاً. والذي يمشي سويّاً هو القائم السالم من العثار لاستواء طريقه، واستقامة سطحه.
قال القاضي: والمراد تمثيل المشرك والموحِّد بالسالكين، والدينين بالمسلكين. ولعل الاكتفاء بما في الكَبّ من الدلالة على حال المسلك، للإشعار بأن ما عليه المشرك لا يستأهل أن يسمى طريقاً، أي: فلذلك ذكر المسلك في الثاني دون الأول.

.تفسير الآيات (23- 26):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [23- 26].
{قُلْ هُوَ} أي: المستحق للعبادة وحده، وسلوك صراطه {الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} أي: العقول والإدراكات {قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ} أي: باستعمالها فيما خلقت له.
{قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ} أي: خلقكم فيها لتعبدوه وتقوموا بالقسط الذي أمر به {وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي: للجزاء.
{وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ} أي: الحشر أو الفتح على رسوله وظهور دينه {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} أي: في الإنذار به، والترهيب منه.
{قُلْ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ} أي: بيّن الحجَّة على ما أنذركم به من زهوق باطلكم إذا جاء أجله. وأما تعيين وقته فليس إليّ.

.تفسير الآية رقم (27):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} [27].
{فَلَمَّا رَأَوْهُ} أي: ما وعدوا به من العذاب، وزهوق باطلهم {زُلْفَةً} أي: قريباً، أو ذا زلفة، أي: قرب {سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا} أي: ظهر عليها آثار الاستياء من الكآبة والغم والانكسار والحزن {وَقِيلَ} أي: لهم تبكيتاً {هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ} أي: تطلبون وتستعجلون به من الدعاء، أو تدّعون أن لا بعث، من الدعوى.

.تفسير الآية رقم (28):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [28].
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللَّهُ وَمَن مَّعِيَ أَوْ رَحِمَنَا فَمَن يُجِيرُ الْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} كان كفار مكة يَتربصون بالنبي صلى الله عليه وسلم رَيبَ المنون، تخلصاً من دعوته وانتشارها، فأمر أن يقول لهم ذلك. أي: أخبروني إن أماتني الله ومن معي من المؤمنين، أو رحمنا بتأجيل آجالنا وانتصارنا، فمن يجيركم من عذاب أليم قضى الله وقوعه بكم لكفركم؟.
قال ابن كثير: أي: خلصوا أنفسكم، فإنه لا منقذ لكم من الله إلا بالتوبة والإنابة، والرجوع إلى دينه، ولا ينفعكم وقوع ما تتمنون لنا من العذاب والنكال، فسواء عذَّبنا الله أو رحمنا، فلا مناص لكم من عذابه ونكاله الواقع بكم. والمعني بالعذاب: إما الدنيوي وهو خزيهم بالانتصار عليهم، ودحور ضلالهم، أو الأخروي، وهو أشد وأبقى.

.تفسير الآية رقم (29):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} [29].
{قُلْ هُوَ الرَّحْمَنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنَا} أي: اعتمدنا في أمورنا لا على ما تتكلون عليه من رجالكم وأموالكم.
{فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} أي: في ذهاب عن الحق وانحراف عن طريقه منا ومنكم، إذا جاء نصر الله والفتح في الدنيا، ونشأته الثانية في الأخرى.

.تفسير الآية رقم (30):

القول في تأويل قوله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} [30].
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْراً} أي: غائراً لا تناله الدلاء، أو ذاهباً في الأرض {فَمَن يَأْتِيكُم بِمَاء مَّعِينٍ} أي: جار ظاهر سهل التناول.
قال الرازي: المقصود تقريرهم ببعض نعمه تعالى، ليريهم قبح ما هم عليه من الكفر. أي: أخبروني إن صار ماؤكم ذاهباً في الأرض، فمن يأتيكم بماء معين؟ فلابد وأن يقولوا: هو الله، فيقال لهم حينئذٍ: فلم تجعلون من لا يقدر على شيء أصلاً شريكاً له في العبودية، وهو كقوله تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [الواقعة: 68]، أي: بل هو الذي أنزله وسلكه ينابيع، رحمة بالعباد، فله الحمد.

.سورة القلم:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآيات (1- 4):

القول في تأويل قوله تعالى: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [1- 4].
{ن} بالسكون على الوقف: اسم للحرف المعروف، قصد به التحدي. أو اسم للسورة، منصوب باذكر، أو مرفوع خبراً لمحذوف {وَالْقَلَمِ} أي: الذي يخط به {وَمَا يَسْطُرُونَ} أي: يكتبون. و{مَا} مصدرية أو موصولة.
وقوله {مَا أَنتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} جواب القسم، قصد به تكذيب المشركين في إفكهم المحدث عنه بآية:
{وَقَالُواْ يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6].
قال الزجاج: {أَنتَ} هو اسم {مَا}، و{بِمَجْنُونٍ} الخبر. وقوله:
{بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} كلام وقع في البين. والمعنى: انتفى عنك الجنون بنعمة ربك، كما يقال: أنت بحمد الله عاقل، وأنت بحمد الله فهِم. ومعناه: أن تلك الصفة المحمودة إنما حصلت، والصفة المذمومة إنما زالت بواسطة إنعام الله ولطفه وإكرامه، فالباء في {بِنِعْمَةِ} متعلقة بمعنى النفي المدلول عليه بـ: {مَا} والباء في {بِمَجْنُونٍ} زائدة.
{وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً} أي: ثواباً على أذى المشركين واحتمال هذا الطعن والصبر عليه {غَيْرُ مَمْنُونٍ} أي: غير منقوص ولا مقطوع.
قال ابن جرير: من قولهم: حبل مَنين، إذا كان ضعيفاً، وقد ضعفت منته، أي: قوته. أو غير ممنون به علي، زيادة في العناية به صلى الله عليه وسلم، والتنويه بمقامه.
{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} قال ابن جرير: أي: أدب عظيم، وذلك أدب القرآن الذي أدبه الله به، وهو الإسلام وشرائعه. قالت عائشة: «كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن»، أي: كما هو في القرآن.
قال الرازي: وهذا كالتفسير لقوله: {بِنِعْمَةِ رَبِّكَ} والدلالة القاطعة على براءته مما رمى به، لأن الأخلاق الحميدة والأفعال المرضية، والفصاحة التامة، والعقل الكامل، والبراءة من كل عيب، والاتصاف بكل مكرمة، كانت ظاهرة منه. وإذا كانت ظاهرة محسوسة فوجودها ينافي حصول الجنون، فكذب من أضافه إليه وضل، بل هو الأحرى بأن يرمى بما قذف به.